20‏/09‏/2010

طفلة تُصارع الأمواج

طفلة تُصارع الأمواج



هواء بارد وعليل... شمسٌ تطل من الأصيل .... غيوم تتبختر في صفحة السماء .... رذاذ يبلل الهواء

عصافير تغرد في السماء ....

فتاة ترقب الغيوم وتتابعها من نافذة غرفتها

تحلق فوق الغيوم مع الطيور منتشية ....

هامت في عالمها وخيالها.... غاصت في أعماق الزمن صارت

صارت تذهب للمستقبل تارة ثم تعود للماضي أخرى

تنظر إلى مستقبلها بمنظارٍ وردي

لمحت بين الغيوم جواداً ابيضاً يطير بجناحيه ... خفق قلبها ... وارتعشت أطرافها ...

فخرجت من بين صفحات الزمان

أسبلت عينيها ثم فتحتهما بهدوء

لتمتطي صهوة أحلامها .... حلقت ... وحلقت

صارت تجاذبه النظرات .... تهرب حيناً ليتبعها ... ويختبئ مرة لتبحث عنه

فاقت من حلمها الوردي ولم تفارق مخيلتها صورة ذلك الشاب الذي تقدم لخطبتها فرأته بأحلامها طائراً فوق صهوة جواده 0



هو ليس غريب عنها بل تصلهما قرابة كبيرة ولكنها لم تكن تعيره اهتماماً ولم تنظر إليه يوماً قبل أن يتقدم لخطبتها

بدأت أحلامها تتحقق فقد اقترب يوم زفافها

قريباً سيأتي ذلك الشاب الذي دغدغ أحلامها وأيقض نبض قلبها بعد سباته0

قريباً ستصبح زوجة تحلم بعشٍ هادئ وجميل

عشٌ يجمعها بمن تحب

ستصبح أماً لأولاده

وردة تنثر عبيرها الفواح بأرجاء بيته


ما أجمل الأحلام وما أصعب تحقيقها ....

فالحياة ليست كما نحلم بها

إنما هي معركة علينا أن نخوضها شئنا أم أبينا

لكننا لا نعلم مع من نخوض تلك المعركة

أنخوضها مع أنفسنا التي تصور لنا الجمال في غير مكانه

أم مع من لا يريد أن ترتسم الفرحة على محيانا

عدونا الذي يفسد علينا كل حلم جميل ليقتل الأمل فينا ...

لكننا لا نراه لنحذره وهو يرانا ليخيفنا على غرة

عدونا الذي يسلط بعضنا على بعض ...

لتموت في قلوبنا ألوان الربيع وأزهاره

ليطفئ شمع المحبة في قلوبنا

ليجعل من أضلهنا حطباً تُسعر به نار الحقد والكراهية

عدونا الذي يريد أن تموت البسمة على شفاهنا

تزوجت فتاتنا ورحلت مع زوجها إلى حيث كان يسكن

فعاشت حياة ممزوجة بين الأمل والألم ... تسعد لحظة ...

وتئن لحظات عفواً بل تئن سنوات

عاشت بين أهله وأخواته ورأت منهم مالا تطيق من معاملة سيئة

حاولت جاهدة الإبقاء على سمتها ولطفها ومعاملتها الحسنة لزوجها

فعاشت تتأمل الفرح مع كل اشراقة شمس

فتشرق الشمس على ما غابت عليه

في يومٍ من الأيام انتابها أحساس بالدوار والغثيان ولا تدري ما بها فهي لا زالت صغيرة وقليلة خبرة بالحياة

أخبرت زوجها بما بها وبعد مداولات تم عرضها على الطبيب

فحصتها طبيبتها فابتسمت وباركت

ـ مبروك أنتي حامل

سمعت الخبر ففرحت واستشعرت ما تستشعره كل أم ....

لكن جال بخاطرها ما تعانيه من معاناة مع زوجها وأهله

فارتسم الحزن على وجهها ولكنها سرعان ما ابتسمت ابتسامة باهتة لا تعرف لها معنى

ابتسامة لا تعبر عن الفرح بقدر ما تحمل من أسى

كانت تعاني لوحدها

فخافت أن تعاني مع وليدها

مرّت الأيام والمشاكل تتزايد والجنين يكبر في أحشائها

الهوة تكبر... والحقد من شياطين الأنس يعشش بجنبات هذا البيت

حتى اصبح هذا البيت قطعة من نار

عاشت بهم لا يطيقه احد

فتذكرت تلك الأحلام الزاهية التي كانت تدغدغ صمتها
اقترب موعد الولادة واقترب خروج طفلتنا للحياة

وضعت الأم طفلة جميلة ....

سمعة صرختها يوم ولادتها

أحست بالخناجر تقطع قلبها ...

ترجمت هذه الصرخة التي تفرح بها الأمهات ليعلمن من خلالها بسلامة أولادهن

ترجمتها بقاموسها الخاص الذي تملأه الأحزان

وبقلبها المكسور ...

سمعتها بطريقة ثانية وبلغة أخرى

هالها وأخافها أن تأتي هذه الطفلة بهذه الظروف ....

فمركبها تعصف به الأمواج وتلعب به الريح

لهذا أخافتها صرخة هذه الطفلة وكأنها تستنكر وجودها

احتضنت طفلتها لترضعها بحنان وشفقة

ضمتها لصدرها .... رفعتها لتقبلها ... جعلتها على خدها

فانهمرت دموعها من فرط خوفها عليها فاختلطت دموع الأم الحزينة بدموع الطفلة البريئة

كانت أول دمعة ألم تسيل على وجنتي تلك الطفلة الجميلة

طفلةٌ صرخت عند قدومها بوجه الظلام

وردة تفتحت للتوّ فلم تعتقها أشواك الأغصان

شمعة أضأت دروب الحب فأطفأتها الرياح العاتية

طفلةٌ وُلدت في قلب العاصفة فصارت تدور معها بلا حولٍ ولا قوة

كبرت طفلتنا بين أنين الصمت وانتزاع المشاعر

هذا المركب الصغير صار يضم عائلة كاملة بوجودها

لكنه صار يفقد كل يوم قطعة منه

حطمته أمواج البحر العاتية وصخور السواحل الصخرية

فكلما دنى إلى الساحل ليرسوا هبت ريح البغض والحسد والكراهية

فانكسر لوح من الواحة

خاف الربان فهرب ليترك زوجته وأولادها بين الصخور المؤلمة

تلعب بهم الريح وتحرقهم أشعة الشمس

بلغت طفلتنا الخامسة من عمرها ولم ترى سوى المخاوف والصياح

صار الخوفُ لها ديدناً فتقرأه بعينيها الجميلتين

وأصبح الهم لها رفيقاً

والدموع لها صاحبة وصديقة

ربانٌ آخر كان على الساحل صار يُصلح من هذا المركب الصغير

صارت ترقبه طفلتنا بخوف وأمل

خوفاً من أن يجهز على ما تبقى منه

وأملا بأن يعود مركبها كما كان


لم يكن هذا الربان بأفضل مما قبله

ولم تكن الظروف المحيطة لتساعده فهي نفس الظروف

فلا زالت الرياح تعلو وتهبط

ولا زالت طفلتنا تصمد وتصمد

نعم أنها صامدة شامخة صابرة

فقد اشتد عودها وعلمتها الآلام والأحزان ما لم يتعلمه غيرها

صاغتها المتاعب وغسلتها الدموع

وقفت لوحدها تصارع الريح لتعلوا بها تارة وتهبط بها أخرى

وقفت وقفة الأبطال لا تهتم بما كان

وقفت ترقب مستقبلها بعين يملؤها الأمل ...

رغم الألم والوجع

فصارت هي من يقود ذلك المركب الصغير ليبعده عن هذه العاصفة الهوجاء

تكبدت وتكبدت جاهدت وعانت

لكنها واقفة بشموخ الأنثى عندما لا تجد رجلاً يعينها

صارت تسد ثغرة من هنا وترفع جانباً من هناك

ف لله درّها من طفلة وقفت في وسط العاصفة

ولله درّها كم صارعت من موجة عاتية

ولله دّرها جعلت من أحزانها مصدر قوة لاضعف 0

أرخت حبال مركبها من بين الصخور

سحبتها من الربان بحزم وثقة

ربطتها بحبلٍ متين قوي لا تضره الأعاصير

ربطتها بحبل الله وما أقواه من حبل

سارت وسار مركبها

تهادت على صفحة البحر الغادر متناسية كل ما مضى

مستغلة لحظة هدوئه

بعزيمة لا تفتر

قادت هذا المركب بشجاعة متناهية

فقد تعلمت كيف تصارع الموجة

وعرفت كيف تتحدى العاصفة

فقد كانت طفلة بقلب العاصفة

فهاهي فتاة تتحداها

فتاة لا تعرف مفردات الجبن ولخوف

فإلى الأمام ايتها الطفلة الشجاعة

سيهداء البحر عنوة أمام أصرارك

سيبحر مركبك بين النسمة الهادئة والموجة اللطيفة

ستشرق شمس الأمل من جديد

فهي لا تؤخذ إلا عنوة

وقد فزتي بها بصبرك وجهادكِ وتحديك

هكذا كانت وهكذا يجب أن تكون فتياتنا

قصه واقعيه باسلوب نثري ابطال هذي الحكايه
مازالو يصارعو الحياة كما نصارعها
القصه خاصه بمدونة دريم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

(مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد)